بر الوالدين فريضة وسلوك نبيل
مقدمة
بر الوالدين من أعظم القيم التي دعا إليها الإسلام، وهو مظهر من مظاهر الوفاء والرحمة والتقدير للجميل. فهما سبب وجود الإنسان في هذه الحياة، ومنبع الحنان، ورمز التضحية. وقد قرن الله تعالى بر الوالدين بعبادته في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، مما يدل على عظيم مكانتهما ورفعة شأنهما.
في هذه المقالة، سنتناول مفهوم بر الوالدين، أهميته، فضله، آثاره في الدنيا والآخرة، وبعض صور البر، مع الإشارة إلى عواقب العقوق، وسبل تنمية هذه القيمة في نفوس الأبناء.
أولاً: مفهوم بر الوالدين
البر لغةً هو الإحسان، والصلاح، والطاعة، أما اصطلاحًا فهو: الإحسان إلى الوالدين قولاً وفعلاً، والتواضع لهما، وطاعتهما في غير معصية الله، والدعاء لهما، ورعايتهما في حياتهما وبعد وفاتهما.
ويشمل البر المعنوي والمادي، فكما يُحسن الإنسان إلى والديه ماديًا بالنفقة والرعاية، فإنه أيضًا يبرّهما بالكلمة الطيبة، والخلق الحسن، والتقدير، والرحمة، والدعاء.
ثانيًا: مكانة بر الوالدين في الإسلام
أعطى الإسلام بر الوالدين منزلة عظيمة، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"
(الإسراء: 23)
وهذه الآية تدل على أن بر الوالدين يأتي مباشرة بعد عبادة الله، وهي مرتبة لا ينالها إلا أعظم الأعمال. كما قال رسول الله ﷺ:
"رِضا اللهِ في رضا الوالدِ، وسَخَطُ اللهِ في سَخَطِ الوالدِ"
(رواه الترمذي)
وهذا يبيّن أن رضا الله مرتبط برضا الوالدين، وسخطه مرتبط بسخطهما، فكيف لمن يسعى إلى الجنة أن يغفل عن إرضاء والديه؟
ثالثًا: فضل بر الوالدين
1. سبب لدخول الجنة
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ النبي ﷺ: "أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟" قال:
"الصلاةُ على وقتِها" قلتُ: ثم أي؟ قال:
"برُّ الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال:
"الجهادُ في سبيلِ الله"
(رواه البخاري ومسلم)
2. طول العمر وزيادة الرزق
قال رسول الله ﷺ:
"من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه"
وبر الوالدين من أعظم صلة الرحم.
3. دُعاؤهم مستجاب
من كان بارًا بوالديه، نال دعاءهما الصادق، والذي هو سبب في التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.
رابعًا: صور بر الوالدين
1. الطاعة والتواضع
أن يطيع الابن والديه في غير معصية، ويخفض لهما جناح الذل رحمةً، ويعاملهما بلين واحترام.
2. النفقة والرعاية
أن ينفق عليهما إذا احتاجا، ويخدمهما بنفسه، لا سيما في كِبر سنّهما، حيث يضعفان وتقل حيلتهما.
3. الكلمة الطيبة والدعاء
أن يخاطبهما بأدب، ويتجنب رفع الصوت، ويكثر من الدعاء لهما، خاصة في صلاته وخلوتِه، كما في قوله تعالى:
"وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"
(الإسراء: 24)
4. زيارة قبريهما والدعاء لهما بعد وفاتهما
حتى بعد وفاتهما لا ينقطع البر، فقد قال رسول الله ﷺ:
"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث:... أو ولد صالح يدعو له"
(رواه مسلم)
خامسًا: آثار بر الوالدين
1. في الدنيا:
-
سعادة في الحياة، وراحة في النفس، وبركة في المال والعمر.
-
احترام الناس، وثناء المجتمع، وحسن السيرة بين الخلق.
-
دعاء الوالدين الذي يكون سببًا في الفرج والنجاح.
2. في الآخرة:
-
نيل رضا الله، وهو أعظم ما يسعى إليه المؤمن.
-
دخول الجنة، فقد جاء في الحديث:
"رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة"
(رواه مسلم)
سادسًا: عقوبة عقوق الوالدين
العقوق من الكبائر، وقد توعد الله عليه بالعقاب الشديد. قال النبي ﷺ:
"ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..."
(رواه البخاري)
ومن آثار العقوق:
-
حرمان البركة في المال والعمر.
-
سخط الوالدين الذي يؤدي إلى سخط الله.
-
الشعور بالضيق والتعاسة في الحياة.
-
احتمال العقوبة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة.
سابعًا: وسائل تعزيز بر الوالدين
-
غرس قيمة البر في نفوس الأطفال منذ الصغر، من خلال القصص والتربية العملية.
-
الاقتداء بالأنبياء والصالحين، مثل قصة سيدنا إسماعيل الذي قال:
"يا أبت افعل ما تؤمر"
-
تذكير النفس بفضل الوالدين وتضحياتهما.
-
قراءة الآيات والأحاديث التي تحث على البر، والتفكر فيها.
-
الحرص على زيارة الوالدين والتواصل المستمر معهما، خاصة في عصر التكنولوجيا والانشغال.
خاتمة
بر الوالدين ليس مجرد واجب، بل هو شرف وسعادة، ووسيلة لنيل رضا الله والنجاح في الحياة. من يُحسن إلى والديه يحظى بدعائهما، ويبارك الله له في عمره وعمله، ومن يعقهما يخسر الدنيا والآخرة. فلنحرص على البر، ما حيينا، ولنُعلّمه لأبنائنا، ليبقى هذا الخُلق الكريم حيًّا في نفوس الأجيال.
اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا في حياتهم وبعد مماتهم، وارزقنا رضاهم ورضاك، واجعلنا قرة أعين لهم كما كانوا لنا.